جاءت فكرة كتاب جدل الدستور والمرحلة الانتقالية في مصر بين 25 يناير و30 يونيو (384 صفحة من القطع الكبير) الذي أصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بمساهمة لمجموعة من المؤلّفين، من ندوة أقامها المركز في الدوحة في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، أي قبل بضعة أيام من الاستفتاء على الدستور المصري 2012. ويتضمّن الكتاب مقاربات مختلفة لموضوع الدستور والمرحلة الانتقالية في ما بعد ثورة 25 يناير 2011، كما أنّه يلقي الضوء على جانب مهمّ من السجال الدستوري على أساس مقاربات متعددة الأوجه، تاريخية ونظرية ونقدية، إضافة إلى أنّه إطلالة على السيرورة نفسها من خلال قرارات المحكمة الدستورية العليا. ويتكوّن الكتاب من خمسة فصول رئيسة، ألحق بها فصل سادس ضمّ ملخّص الكلمات التي ألقيت في الندوة.
ففي الفصل الأول "مصر على أعتاب الجمهورية الثانية: التغيرات الدستورية قبل ثورة 25 يناير وبعدها" لمحمد طه عليوة يستعرض الكاتب تاريخ الحياة الدستورية في مصر، والتي بدأت باعتماد الدستور ركنًا مؤسسًا للدولة الحديثة التي نشأت مع عصر محمد علي، وإطارًا يصف النظم والمؤسسات الآخذة في التشكّل آنذاك. كما يعرض تطوّر الحياة الدستورية في مصر، منذ الأمر السامي الذي أصدره الخديوي إسماعيل في نهاية عام 1878، تحت ضغوط الأزمة المالية وتدخّلات الدائنين الدوليين لتغيير نمط إدارة الدولة، ويصف تطوّر النضال الدستوري وصولًا إلى دستور 1923 بوصفه مثالًا لما يتطلّع إليه الشعب من حريّات وحقوق. ثمّ يستعرض تطوّر دساتير نظام يوليو، بدءًا من إعلان شباط/ فبراير 1953، وثلاثة إعلانات دستورية تلته، والخروج بثلاثة دساتير حكمت نظام يوليو كان آخرها دستور 1971.
ويتّجه أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور سيف الدين عبد الفتاح في الفصل الثاني "الدستور المصري بين مسارات التأويل والتعديل والتفعيل: رؤية من منظور التوافق السياسي" إلى اتجاه مغاير، إذ يمدّ تحليله من النصوص إلى سياقها ؛ فيركّز في ورقته على ما اصطلح على تسميته بالهندسة السياسية، التي يراها «العملية المركزية في بناء المنظومة السياسية» بهياكلها ودينامياتها، وفي القلب منها العملية الدستورية. ويطرح مداخل مفهومية عدة لرؤية العملية الدستورية، ولكشف بعض أنماط الممارسة التي قد تلتبسها؛ فيفرّق بين الدستورية بصفتها حالة واصفة لمنظومة الحكم، والدسترة بصفتها ممارسة غايتها تحصين عمل المؤسسات، وضبط علاقاتها على نحو محدّد. وهو فعل قد تكون غايته إيجابية، أي حماية الحريات الوليدة، ودعم فاعلية ممارستها في المجال العام، أو بتشكيل قيود محدّدة على هذه المؤسسات حتّى لا ترجع عن مقتضى الحريّات عند وضع التشريع. وقد تكون غايته سلبية تهدف إلى الالتفاف على القواعد الدستورية ذاتها، وإبعاد بعض المؤسسات المؤثّرة عن أن تطولها قواعد التوازن والرقابة والمساءلة.
وفي الفصل الثالث "مكانة المحكمة الدستورية في النظامين الدستوري والقانوني في مصر" يتناول الدكتور يسري العصّار مسألة تطوّر المحكمة الدستورية العليا، واتّساع دورها بعد ثورة يناير. ويتتبّع جذور هذا الدور محلّلًا أسباب المكانة المتميّزة للمحكمة الدستورية العليا في مصر في البنية القضائية، ومن مظاهر تميّزها أنّ أحكامها تتمتّع بحجيّة مطلقة، يحتجّ بها في مواجهة السلطات جميعًا، بما فيها المحاكم الأخرى. كما يستعرض المبادئ التي أرستها المحكمة في مناسبة رقابتها على دستورية القوانين المنظّمة لحقَّيْ الانتخاب والترشيح، وقرارات السلطة التنفيذية المتعلّقة بتأليف مجلس الشعب.
أمّا الفصل الرابع "قيام النظام الديمقراطي في الدستور المصري على أساس المواطنة بين النص والتطبيق" فيتعرّض فيه الدكتور علي عوض محمد لمبدأ المواطنة، ويتقصّى واقعه الدستوري منذ ظهر منطوقه في عام 2007 ضمن التعديل الذي جرى على المادة الأولى من دستور 1971. ويتناول مبدأ المواطنة في ضوء الجدل في شأن المادة الثانية من الدستور، ويرى نفي التعارض بين مبدأ المواطنة وما تقرّره هذه المادة. ثم ينتهي بسرد ملامح النظام الديمقراطي القائم على أساس المواطنة.
وفي الفصل الخامس الذي كان بعنوان"الدستور المصري الجديد ومرحلة التأسيس الديمقراطي: ملابسات المرحلة الانتقالية" تركّز الدكتورة ثناء فؤاد عبد الله على فحص إمكان تأسيس ديمقراطي استنادًا إلى دستور 2012 ، وفيه تعرض الملابسات التي شاكلت مرحلة الانتقال. وتتناول ما سمّته بالضباب السياسي الذي اكتنف الانتقال بعد سقوط مبارك مؤكّدة أنّ اللحظة التوافقية التي صاحبت سقوطه لم تلبث أن انهارت في أثر الصراع على السلطة.
يطرح هذا الكتاب مجموعة من الآراء الجادّة التي تحلّل دستور 2012، وسياق وضعه، وتفحص ما اكتنفه من جدالات ومشكلات. وقد كتبت هذه الأوراق خلال فترة إعداد هذا الدستور، أو مع لحظة إقراره، وهي مداخلات وتحليلات توثّق الجدال الذي شهدته الساحة السياسية في مصر، وتنبّهنا للمعضلات البنيوية التي مرّ بها المسار الثوري في مصر خلال حكم المجلس العسكري والرئيس محمد مرسي، وأفضت إلى التغيّرات الحاسمة التي تلت تلك الفترات.